عشية الاحتفال بعيد المُعلم في لُبنان، في 9 آذار من كل عام، لفت انتباهي، هذه السنة، خلال متابعاتي الإعلامية، تقرير نشرته "وكالة الصحافة الفرنسية"، من السودان، أمس الأحد، عنوانه: "مدرسة في السُودان تمنح فرصة ثانية لأشخاص حرمتهم الظُروف من التعلُم".

وما اكتشفتُه من خلال مُطالعاتي أيضا، أن ثمة تواريخ مُتعددة للاحتفال في المُناسبة على الصعيد العالمي!. ويُحتفل بـ "اليوم العالمي للمُعلمين"، يوم 5 تشرين الأول، سنويا، مُنذ العام 1994، وهو بمثابة إحياء لذكرى توقيع التوصية المُشتركة، الصادرة عن مُنظمة العمل الدولية"، و"مُنظمة الأُمم المُتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو)، في العام 1966 والمُتعلقة بأوضاع المُعلمين.

وفي السياق، لا بُد من الإشارة إلى أن "اليوم العالمي للمُعلم"، يُعتبر من الأيام المُهمة التي تُسلط الضوء على "الفئة المُهمة في المُجتمعات"، وهي فئة المُعلمين. ولا يُمكن إقصاؤها أو الاستغناء عن هذه "الشخصية" التربوية، في الكثير من المُجتمعات، سواء أكانت العربية منها أم الغربية. فقد أُطلق في هذا الإطار شعار "Messenger of knowledge, thanks" أي "رسول العلم شكرًا"، بحسب ما يتم تداوله في "اليونسكو"، بناء على عدد من المُحاولات، ليتم تقديم مشاعر الشكر والامتنان لكُل الجُهود الخاصة بالمُعلمين، في كُل أنحاء العالم، بالنظر إلى عطاءاتهم، على مُستوى العالم!.

العيد في لُبنان

وفي لُبنان، يُخصص يوم 9 آذار من كُل عام، للاحتفال بعيد المُعلم. ويتخلل المُناسبة تكريم عدد من المُعلمين المُتميزين!. هُم الذين يُساهمون في تطوير المُجتمع اللُبناني وتقدُمه، في الكثير من المجالات المُختلفة.

حتى أن المُعلم اللبناني، بادر بالعناية وتقديم الخدمة التربوية بمهنية عالية، إلى أبناء اللاجئين السوريين في لُبنان، فيما تحولت مدارسنا إلى أماكن إيواء لأهلنا اللبنانيين خلال الحرب الإسرائيلية الهمجية على لُبنان... كما وسقط شُهداء من صُفوف المُعلمين، امتزجت دماؤهم الذكية بدماء "الكبير والصغير والمقمط بالسرير"... وجدير بنا، في الـ 2025، أن تُبادر حكومتنا الجديدة، بتكريم المُعلمين الشُهداء في عيد المُعلم!.

المدرسة السودانية

وبالعودة المدرسة السُودانية التي "تمنح فُرصة ثانية لأشخاص حرمتهم الظُروف من التعلُم"، إليكُم التفاصيل: "داخل قاعة في مدرسة مُتداعية، شرق السودان، يكتب مُدرس يرتدي سترة بيضاء، ويعتمر عمامة، حُروفا عربية على لوح أمام رجال ونساء يجلسون على مقاعد خشبية ويُتابعون الدرس في اهتمام.

تقف مُؤسِسة المدرسة آمنة محمد أحمد (63 عاما) بصمت في زاوية القاعة. وتومئ برأسها بحركة تُؤكد من خلالها، أن كُل شيء يسير على ما يرام، وأن الدرس مفهوم للحاضرين.

وأمضت المرأة المعروفة باسم "آمنة أور"، و"أور" تعني الأسد في لغة البجا الخاصة بشرق السودان، السنوات الثلاثين الأخيرة في تغيير حياة مئات الأشخاص من خلال المدرسة التي أسستها في مدينة "بورت سودان".

أطلقت أحمد هذا المشروع سنة 1995 لمُكافحة الأُمية في المُجتمعات المحلية.

وتقول المرأة، واضعة وشاحا برتقاليا حول رأسها، في حديث إلى "وكالة فرانس برس": "هذا ما دفعني إلى إطلاق المشروع"، مضيفة "كان الناس يريدون أن يتعلموا، ولولا ذلك لما كانوا واصلوا الحُضور إلى المدرسة".

وتُوفر صُفوفها الدراسية، فرصة ثانية لمَن لم يتمكنوا من تحصيل تعليمهم، وبخاصة النساء اللواتي لم يتمكن من الالتحاق بالمدارس، بسبب عقبات ثقافية أو مالية أو بسبب الحُروب...

لقد أصبحت مدرسة آمنة محمد أحمد، أيضا، ملجأ للنازحين بسبب نزاع يشهده السودان منذ العام 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو. وأودت الحرب بحياة عشرات الآلاف، وشردت أكثر من 12 مليون شخص، وأغرقت مناطق كثيرة في المجاعة.

وفرت ماريا آدم (28 عاما) من منزلها إلى "بورت سودان"، بحثا عن الأمان.

وتقول المرأة التي تركت المدرسة عندما كانت في الحادية عشرة: "عندما وصلت إلى هذه المدينة، سمعت عن المدرسة وتسجلت فيها".

وتقول لـ "وكالة فرانس برس": "أُريد إنهاء دراستي حتى أتمكن من مساعدة أولادي".

وقد أدت الحرب إلى تدمير النظام التعليمي في السودان، إذ تُشير تقديرات الأُمم المُتحدة، إلى أن أكثر من 90% من أطفال السودان في سن الدراسة، والبالغ عددهم 19 مليونا، لا يرتادون المدارس... وحتى قبل الحرب، صنفت دراسة أجرتها منظمة "سايف ذي تشيلدرن"، في العام 2022، السودان، بين الدول الأكثر عرضة لخطر الانهيار التعليمي. ومع ذلك، تبقى الرغبة في التعلم حاضرة في مدرسة أحمد!.

وتقول أحمد إن "رؤية شخص ما ينتقل من مرحلة جهل القراءة أو الكتابة إلى حيازة شهادة جامعية، أو العُثور على وظيفة، أو إعالة أسرته، يدفعني إلى الاستمرار". وتضيف "يتحولون من كونهم عبئا، إلى أفراد مجتمع منتجين ومُتعلمين".

التربية والتكنولوجيا

وكُلما تطورت الدُول، كُلما اتجهت أكثر إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، في فلك الذكاء الاصطناعي... غير أن الأهم، إنما هو العناية بالتواصل الشخصي مع المُتعلم.

ومن هُنا وجوب العناية بكُل متعلم على حدى، واعتبار أن كل واحد من هؤلاء، إنما هو عالَم قائم في حد ذاته... وهذا ما يحصُل على نطاق واسع في مدارسنا!. فماذا يفيد أن يجلس المُعلم ساعات طوال أمام حاسوبه، يُحضر لصفه... ولا يبقى له وقت للتواصُل الفردي مع المُتعلمين؟.

في هذه الحال، فإن التكنولوجيا المُسهلة له في رسالته التربوية، تكون أيضا مجالا لاستنزافه. فالتكنولوجيا –على أهميتها- لا تصنع تربية!.

رُسُل العِلْم

هُم في كُل زمان ومكان، يُؤدون رسالة التربية البناءة، في أحلك الظروف...

هم على حق: "رُسُل العِلْم"، على امتداد الكون بأسره!.